حِيِنَ تَقـَعٌ الحَوَادِث ، وَتَحِلٌ الغِيَر ، و يَنَدّ وَجُهُ الحَيَاءِ مَاؤٌه ، و يُسَلبٌ بَوحُ الجَمَالِ عَوَادِيه
، وَ يَنْزَاحُ رَحِيْقُ السَلَام وَيُصبِحٌ مُجَرَد عَبَاءَةَ شَكَلَيِة ، و رَسَمَةُ زَائِفْة مُنْذ أَكَثَرٍ مِنْ رُبْعِ
قَرِن ..!
تَهْرَعٌ النَفَسُ وَجِلة ، و تبتّل الجَوَانِحٌ شَفَقَة ، وَ تَرِقُ القَلُوبٌ تَجْنَحُ مَا بَيْنَ الحَسَرَةِ وَ
الكَمَدِ وَ الأَسَى ، فَثم سَرَى حَالٌ لَا يَصِفُهٌ يَرَاعٌ مَكِينْ ، و لا لَسَانُ وَدِيعُ بَلِيغْ ، وَ لاَ تُجَرِدُهٌ
وَرَقَةُ وَ إِنْ أَمْسَى خُتَمٌ حَمَامةِ السَلام المَزَعُومِ عَلَيِهَا ..!
تَجِيشُ الأَحَرٌفٌ حَاَسَرةَ تَلَعَنٌ الصَمْتَ الرَهِيْبَ الَذِي أَدَمَاهَا ، وَ تَلَفِظٌ الشُّحَ الَذَي دَاَرَ عَلَى
سَمَاءِهَا ، وَ الأَغْلَالَ الَتَي كَبْلَتْ يَدَهَا ، وَ الزَخَمّ الغُثَائيّ اَلَذِي قَصَمَ ظَهْرَهَا ، وَ التَغَبَيَرَ
الَذِي أَثاره أدعياءها ، فَالأُمَةُ وَاهِمَةٌ بِوَسِيطِ يُعِيدٌ لَهَا شَبَابَهَا ، وَ يَنَقِضٌ عَنَهَا أَنْكَاثَ
عَجِزِهَا الَذِي أَنَهَكَهَا ، وَ كَيفَ يَسَتَجِيرُ المَكَرُوبُ بالشٌقَةْ التَي تَقْصِمٌ ظَهَره :
فَالمُسْتَجِيرُ بِعَمْرُو عِنَدَ كٌرَبَتَهَ = كَالمُسْتَجِيَر مَنَ الرَمَضَاءِ بِالنَارِ
وَ هِي للأَسَفَ لَا تَجَرِي إلَا وَرَاءَ الأَمَانِيَ المُقّفِرَة ، وَمَا الأَمَانَي إِلاَ رَأَسُ أَمْوُالِ المَفَالِيس
، وَ صَدقَ الله وَمَنَ أَصْدَقٌ مِنَه قَيَلًا ( تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ) ، فَكَيَفَ لِهَذِهَ الأٌمْنِيَاتِ الَتِي أَقَضّتَ
مَضَجِعَ الوَاَهِمَ أَنَ تَدَنَو إِلَيَهِ سِرَاعًا ، وَ تَجَثَوَ إِلَيَهِ مَنْ غَيَرِ نَصَبِ وَلاَ وَصَب؟؟! ، وَ هَوَ
يُطَارِدُهَا بِغَيَرِ مَا كَلَلِ ، فَمَا هَو إِلاَ كَحَالِ الواهم الَذَي وَصَفَهُ رَبُنَا ( كسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ
الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا ) ..
وَ مَعَ ذَا فَالعِدَاءُ لَهَا مُسَتَطِيرٌ الشَظَايَا ، مَثَلٌهَا كَقصْعَةِ تَدَاعَى عَلَيْهَا الأَكَلَةٌ مَنْ كُلِ حَدَبِ وَ
صَوَب ، تَضَافَرَ مَعَ عَوَادِيَهَا فِئَامُ مِنْ بَنَي جِلَدَتِنَا مَا فَتِئَتْ إِلاَ أَنْ صَادَقَتهَا ، و أَمِنَتْهَا عَلَى
مَا تَمَلِك ، وَ أَرَخَتْ يَدَيَهَا صَاغِرَةَ إِلَيِهَا تَطُلٌبٌهٌ لُعَاعَةَ مِنْ الدٌنَيَا ، تَظٌنُ بِذَلِكَ أَنَهَا تٌرِيُحٌ
نَفَسَهَا مِنْ وَقَعِ المَثَالِب ، وَ تُنَعِمُ جَسَدَهَا مِنْ سِقَامِ الَأَلَم المُدَمِي ، و تَرَجٌو المَوَدَةَ مِنْا عَلَى
مَا فَعَلَت ، و أين هي من قول القائل :
تُصَادِقٌ أَعَدَائِي وَتَرَجَو مَوَدَتَي = صَدِيقٌ عَدُوِي لَيَسَ لِي بِصَدِيقِ
....
و لقد كانت هذه الجلبة المدوية على ثرى الأقصى المبارك العامر ، ما هي إلا نتاج ذل لا
يوجد له مثيل ، ولا يعرف له شبيه ، و قرين كساد في الدين ، وضعف في الصلة
بالخالق ، و خدين جهل بعمق المأساة ، فدمعة من عين طفل فلسطيني يُقتل أباه، و يُشرّد
في العراء ، وصرخة من امرأة قد نسف عرضها ، كافية لتعبر عن مقدار المأساة التي
أصابت أمتنا ، و انتهت بها إلى عمق الخور ، و إلى ركاب تاريخ الذلة والهوان ..
و مع هذه الرواسب الساحقة ، وهذه المدلهمات الماحقة ، طاب النوم لمن يدعي أنه
أحسن المعونة ، و ترنمت رجالات بالبطولة العنترية الفارغة في غير مسارها الصحيح ،
وأضحت هذه الأرض بين قذى الرجس اليهودي و قذى حماتها الذين باعوها من
أصحاب العروبة الفارغة ، فقد تبين تمامًا ما كان أخفوه خلف تلك العبارات المزخرفة و
تلك الكلمات المرصعة التي لا تسمن ولا تغني من جوع ، ليتضح وبكل أسف أن هذه
الأرض قد بيعت وكأنها سلعة ضاق على الجبان أن يحملها ..
انزع الجبن من فؤادك نزعا = ثم القه و اسحقه تحت الحذاء
لن تطيح الثمار قبل إناها = إن فوق الردى كتاب القضاء
إن قضية الأقصى لا حاجة لنا فيها لعاطفة جياشة ، و لا لدموع تجف من حينها فتنضب
و تبقى تروم المآسي لتبكيها ، كأجيرة باكية تبكي على غير مبكاها ، وتشكو ما ليس لها
به حلّ ، تشق الثوب ، وتلطم الخد ، و تنثر الحصى على ناصية رأسها ، و فؤادها ما
مسّه من هجر ميتتهم أنين ، وفوق ذلك كله تدعي الشجاعة .. فأين الشجاعة من هذا ؟!
إن الشجاعة رسمة مضمحلة ما رأيناها ترسم لأن مذاقها مر ، و لونها شاحب صعب
على أهل الهوان :
لو لا المشقة ساد الناس كلهم = الجود يفقر والإقدام قتال
إن هذا الموت المهاب ما هو إلا حياض زفاف إلى مستودع الأرواح ، والى دار الخلود
التي من أجلها نعيش ، إنها تطهير الروح لحظوة الميعاد الإلهي( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ
اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ )، وددت تالله أن لأمتنا مثيل أبي دجانة ، يعّلم أمة الخنوع المستكين بأن
الحياة في عزها خير من الحياة في ذلها ، و أنها ما عاشت لدنياها بل عاشت لتبني أخراها ، فيا أرض
ابلعي الجبن من صدور أمتنا أما قال صلى الله عليه وسلم :
(والذي نفس محمد بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله فأقتل ، ثم أغزو فأقتل ، ثم أغزو
فأقتل )
عصرت لنا الأيام نفسها لتسقينا من عبرها ، و تغذينا من دروس أيامها السالفة ، لتحيي
في أذهان الناكسين رؤوسهم إلى حلم السلام الضائع ، طيفًا ساحرًا من الكلمات التي لم
ندرك مفهومها ونحن ننظر بهذا الحيف تجاه السلام و أين نحن من الكلمات التي نقولها
أفلًا نصوغها واقعًا إثر هذه الذلة ؟!
تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد = لنفسي حياة مثل أن أتقدما
مع التحية